بسم الله الرحمن الرحيم
لا يمكن أن تبنى حياة أو يؤسس مجتمع أو تزدهر حضارة إذا كان العنف هو السمة السائدة بين أفرادها والطريقة الوحيدة للتعامل وتقرير الحقوق والواجبات بين فئاتها والوسيلة الأولى في حل الخلافات بين مجتمعاتها.. والواقع يشهد بذلك والنصوص الشرعية تؤكد ذلك والمتابع لأوضاع الإنسان اليوم وحياة الدول والمجتمعات والشعوب يجد أن العنف أصبح كابوس يؤرق الجميع وفي شتى مجالات الحياة فهناك العنف الأسري والعنف الإجتماعي والعنف ضد الأولاد وضد المرأة وهناك العنف المدرسي والعنف الرياضي وهناك العنف السياسي من إحتكار للسلطة وتغييب للعدالة وكبت الحريات العامة وإنتهاك حقوق الوطن والأرض والإنسان وهناك العنف بإسم الدين والتشدد في غير موضعه وسوء الفهم لمقاصد الشرع وغاياته الأمر الذي أدى إلى سفك الدماء وإنتهاك الأعراض وترويع الآمنين وغير ذلك فهل يعقل أن تكون هذه هي الحياة التي ينبغي أن تكون..كلا..لقد جاء الإسلام لينشر الحب والتسامح والتراحم بين الناس كافة وعندما وجه بإستخدام القوة والشدة جعل ذلك في أبواب ضيقة وجوانب محددة.. مثل مواجهة الأعداء المتربصين الحاقدين المعتدين وكذلك على من ثبت إجرامه وأنتشر فساده وتأثر المجتمع بسوء أعماله ولم يمتثل لأوامر الدين وقواعد الشرع ولم يترك الإسلام هذه الجوانب دون قيد أو ضابط حتى يقطع عن النفس البشرية أي طمع أو شهوة ويكون هذا العمل لحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال وهي الضروريات التي جاءت الشريعة لحفظها قال تعالى {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190].. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِن اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُل شَيءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذبْحَة وَلْيُحِد أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم.. وما سوى ذلك فإن الإسلام دعا إلى الحب والتراحم والتعاون بين الناس فكم هي البشريّة بحاجة إلى حبّ الإسلام،ذلك الحبّ المجرّد من الرِّبح والحساب المادِّي، الحبّ الرّوحي والعاطفي الصّادق لأهميته في بناء الحياة، وقيمته في سعادة الفرد والأسرة والمجتمع، وإعتبر الإسلام الحبّ قيمة عُليا في رسالته، وهدفاً سامياً من أهدافه، يسعى بشتّى الوسائل لتحقيقه، وتكوينه في النفس البشرية، وإشاعته في المجتمع، بل جعله قيمة كبرى سعى لتحقيقها في الحياة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم»..... ومن حبّ الله يبدأ الحبّ في الإسلام.. وضّح القرآن هذه الحقيقة الجوهريّة في عمق الإسلام، بقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله} [آل عمران:31]... وحبّ الله في الإسلام يعني حبه بأسمائه وصفاته وأفعاله ويعني حبّ المؤمنين بالله، وحبّ الخير للبشريّة، وحبّ الدين وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وكم عبّر القرآن عن حبّ الله للإنسان، وعرّفه للخلق بأ نّه الحبيب المحبّ لفاعلي الخير والمعروف، فقال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المحْسِنِين} [البقرة:195]، وقال تعالى {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التّوّابِينَ وَيُحِبُّ المتَطَهِّرِين} [البقرة: 222]، وقال {وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرِين} [آل عمران:146] وغيرها من النصوص كثير.. وكم وقف القرآن مع الّذين لا يعرفون قيمة الحبّ الإلهي، يؤنِّبهم ويهدِّدهم، بأنّهم إن أعرضوا عنه، فسوف يأتي بآخرين يحبّهم ويحبّونه، فهو سبحانه يريد أن يبني الحياة على أساس الحبّ بينه وبين خلقه، وفيما بين الخلق أنفسهم، لذلك نجده يستنكر على الإنسان أن يحبّ غير الله كحبّه لله..... جاء هذا البيان بقوله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه} [البقرة:165] وجعل الإسلام الحب عقيدة راسخة في النفوس بها يقبل الدين ويصح العمل وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]... وحبّ الله حصانة للنفس البشرية من النزوع إلى الجريمة والعدوان، وتطهير للنفس والوجدان من الحقد والكراهيّة للحقّ والخير والجمال، جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى، قال: «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما إفترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطشُ بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، وإن إستعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته»، وروى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل. فقال: إني أحب فلانا فأحبه قال: فيحبه جبريل، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل عليه السلام، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض» ولقد عمل الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم جاهداً على أن يشيد المجتمع على أساس الحبّ والولاء في الله، فيوضِّح للناس هذه الحقيقة بقوله كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار» متفق عليه.. ويأتي بيان نبويّ آخر ليعمِّق الحبّ في النفوس، ويقيم لغة التخاطب على أساس الحبّ، فيعلّم المسلم كيف يفصح عن حبِّه لأخيه، ليشيع في نفسه الحبّ، ويشعره أ نّه في مجتمع يكتنفه الحبّ، ولا مكان فيه للحقد والكراهية فعن المقداد بن معدى كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه» رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، وقد علّم القرآن الإنسان المسلم تطهير النّفس من الحقد والغلّ والكراهية لتصفو للحبّ وحده، ففي الدّعاء القرآنيّ: {وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوْبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم} [الحشر:10]
وبالحب بين أفراد المجتمع المسلم تكون النجاة يوم القيامة يوم الحسرة والندامة عن أبي مالك الأشعري قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة:101] قال: فنحن نسأله إذ قال: «إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة»، قال: وفي ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه، ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال: فرأيت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم البِشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هم عباد من عباد الله من بلدان شتى، وقبائل شتى من شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها، ولا دنيا يتباذلون بها، يتحابون بروح الله، يجعل الله وجوههم نورا ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمان يفزع الناس، ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون» رواه أحمد والحاكم وصححه الذهبي.. وقد كان من دعاءه صلى الله عليه وسلم أن يقول: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» رواه الترمذي ... وكم هو جميل تعبير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مشاعر الحبّ في نفسه الكريمة تجاه الأرض والحجر والجماد والشجر، ليصنع من الإنسان روحاً وعواطف تفيض بالحبّ مع من حولها ولو كان لا يعقل شيئاً.. روى أهل السِّيَر ورواة الحديث أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يسير في أصحابه فطلع لهم جبل اُحُد، فحين رآه قال: «هذا جبل نحبُّه ويحبُّنا» بل كان صلى الله عليه وسلم اذا أشرف على قرية أو مدينة أو أراد دخولهما يطلب الحب ويدعو بالحب فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا رأى قرية يريد أن يدخلها قال: «اللهم بارك لنا فيها ثلاث مرات اللهم إرزقنا جناها، وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا» رواه الطبراني في الأوسط، وقال في مجمع الزوائد ج10 ص 134: وإسناده جيد... بل إن الإسلام جعل العلاقة بين الإنسان، وبين الحق والخير والإيمان قائمة على الحب قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7].. وقال: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108].. وعلى أساس الحبّ أسس الإسلام الأسرة، وجعل العلاقة بين الزّوجين، وبين الآباء والأبناء قائمة على الحب، قال تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنْفُسِكُم أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَة} [الرّوم:21].. وفطر الله الوالدين على محبة الولد، وجعله ثمرة الفؤاد وقرة العين وبهجة الروح، بل إن المولى عز وجل مدح أولياءه في كتابه العزيز بأنهم يدعون الله ويتضرعون إليه أن يقرّ أعينهم بالولد الصالح {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].. وهذه المحبة هي مصدر الأمن النفسي للولد، كما أنها هي القاعدة الصلبة لبناء شخصية الولد على الإستقامة والصلاح والتفاعل الإيجابي مع المجتمع من حوله، ولا يتصور تحقق هذه الغايات إذا كانت المحبة حبيسة داخل صدور الآباء والأمهات، نعم هي موجودة وقوية لكنهم لا يظهرونها للأبناء ولا يعبرون عنها قولاً أو فعلاً مما يضعف جسور الإرتباط بين الابن وأسرته، ويفوّت على الطرفين الإستمتاع بهذه العاطفة الرائعة! فتربية الأبناء يجب أن تقوم على الحب والتوجيه والمتابعة لا تربية تقوم على العنف والتوبيخ والسخرية والإستهزاء إن إيذاء الطفولة له آثار مدمرة في المستقبل على شخصية الطفل ويؤدى إلى إنحرافه سلوكيا، فيرتكب أخطاء فادحة نحو نفسه والآخرين ويصبح عدوانيا مع من حوله، بإيذائهم أو سلب ممتلكاتهم أو يتجه للعزلة أو فقدان الثقة في نفسه، إن بعض الآباء والأمهات يتعاملون بقسوة عجيبة مع أبنائهم ويحسبون أنها من التربية والضبط حتى وان كان بعض الأبناء في بعض الأحيان يحتاجون إلى الضرب لتقويم السلوك لكن بصورة تربوية تراعي الضوابط الشرعية ولا تكون بصورة إنتقامية فهناك من يضرب بالخيزران والحزام أو بسلك التلفون أو بالرفس بالرجل أو باللكمات أو ربطه بالحبل على اليدين والرجلين ورميه في مخزن مخيف أو في الحمام أو رجمه بشيء ثفيل فتكون النتيجة كسور في عظام الرأس والأنف والوجه وسائر الجسم وهناك آثار حروق في جسم الطفل من النار أو آثار سلك كهربائي...... ماذا تنتظرون من جيل هكذا يربى؟..... أخرج مسلم عن جرير بن عبدالله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول «من يحرم الرفق يحرم الخير كله».... ولقد أقال عمر بن الخطاب عاملا من عماله عندما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل ابنه فقال: تقبل ابنك وأنت خليفة؟ لو كنت خليفة ما قبلت ابني، فقال: ما ذنبي إن كان الله تبارك وتعالى قد نزع منك الرحمة، إنما يرحم الله عز وجل من عباده الرحماء، وأقاله من عمله وقال له أنت لا ترحم ولدك فكيف ترحم الناس...
لا تكن صارماً على الأولاد كل الصرامة وإعلم أن التخويف بالضرب في أكثر الأوقات أحسن من ذوقه.. إن الأطفال وهم في مرحلة الطفولة يحتاجون إلى اللعب وحسن الرعاية فلا يعاملون معاملة الكبار ولا يمكن أن تملي عليهم قوانين وقواعد لابد أن يسيروا عليها واسمعوا إلى هذا الشاعر الذي تذكر أبنائه وقد كان ضجيجهم يملاء البيت وهو يصور تلك الفطرة البريئة والتي بسببها تعرضوا في كثير من البيوت لأبشع أنواع الضرب والعنف والإحتقار.......
أين الضجيج العذب والشغب *** أين التدارس شابه اللعب
أين الطفولة في توقدها *** أين الدمى في الأرض والكتب
أين التشاكس دونما غرض *** أين التشاكي ماله سـبب
أين التباكي والتضاحك في *** وقت معا والحزن والطرب
أين التسابق في مجاورتي *** شغفا إن أكلوا وإن شربوا
يتزاحمون على مجالستي *** والقرب مني حيثما انقلبوا
فنشيدهم بابا إذا فرحوا *** ووعيدهم بابا إذا غضبوا
وهتافاتهم بابا إذا ابتعدوا *** ونجيهم بابا إذا اقتربوا
في كل ركن منهم أثر *** وبكل زاوية لهم صخب
في النافذات زجاجها حطموا *** وفي الحائط المدهون قد ثقبوا
في الباب قد كسروا مزلاجه *** وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الحصن فيه بعض ما أكلوا **** في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشطر من تفاحة قضموا *** في فضلة الماء التي سكبوا
إني أراهم حيثما اتجهت *** عيني كأسراب القطا سربوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا *** من أضلعي قلبا بهم يجب
قد يعجب العذال من رجل *** يبكي ولو لم أبكي فالعجب
هيهات ما كل البكا خور *** وإني وإن بي عزم الرجال أب
وفي جانب الحكم والسلطان جعل الإسلام الحب هو العلاقة الأسمى بين الراعي والرعية حتى لا يكون هناك عنف أو إستبداد أو ظلم أو تعدٍ على الحقوق أو تنصل من الواجبات ولا هناك تعذيب ممنهج وسجون تحت الأرض وأجهزة قمع مختلفة لترهيب الشعوب ولكن هناك عدل وحزم وحب وكرامة.. فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتُصلّون عليهم ويُصلّون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة» رواه مسلم.. وقد حذر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالة لولاته في جميع الأمصار وخاطب بذلك الراعي والرعية حتى لا يكون العنف هو أساس العلاقة بينهم فقال رضي الله تعالى عنه: إني والله! ما أُرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلِّموكم دينكم وسنتكم، فمن فُعِلَ به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ، فوالذي نفسي بيده إذًا لأقصنِّه منه، فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين! أوَ رأيت أن كان رجل من المسلمين على رعية فأدَّب بعض رعيته أئنك لمقتصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده إذاً لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه: «ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمِّروهم -تجمروهم: جمعهم في الثغور وحبسهم عن العود إِلى أَهليهم- فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفِّروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم -جمع غَيْضة وهي الشجر المُلْتَفّ- لأَنهم إِذا نزَلُوها تفرّقوا فيها فتمكَّن منهم العدوّ» أخرجه أحمد / 273، وأبو داود / 3933.. لننشر الحب ونحسن التعامل فيما بيننا ونتحقق من المصالح والمفاسد في كل تصرفاتنا وسلوكياتنا فقد يكون في ذلك حل للكثير.. الكثير من مشكلاتنا.
الكاتب: أ.حســــان أحمد العماري.
المصدر: موقع صيد الفوائد.